فصل: الباب الرابع عشر : فيما أوله صاد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأمثال **


*2*  الباب الرابع عشر فيما أوله صاد

2083- صَدَقَنِي سِنَّ بَكْرِهِ‏.‏

البَكْرُ‏:‏ الفَتِىُّ من الإبل، ويقال‏:‏ صَدَقْتُهُ الحديثَ، وفي الحديث

يضرب مثلا في الصدق

وأصله أن رجلا ساوَمَ رجلا في بَكْرٍ فقال‏:‏ ما سنُّه‏؟‏ فقال صاحبه‏:‏ هِدَعْ هِدَعْ، وهذه لفظة يُسَكَّن بها الصِّغار من الإبل، فلما سمع المشتري هذه الكلمة قال‏"‏صدقني سِنَّ بكره‏"‏ ونصب سن على معنى عَرَّفَني سنَّ، ويجوز أن يقال‏:‏ أراد صدقني خبر سن، ثم حذف المُضَاف ويروى ‏"‏صَدَقَنِي سِنُّ‏"‏ بالرفع، جعل الصدق للسن توسعاً‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ وهذا المثل يروى عن علي رضي اللّه عنه أنه أتى فقيل له‏:‏ إن بني فلان وبني فلان اقْتَتَلُوا فغلب بنو فلان، فأنكر ذلك، ثم أتاه آتٍ فقال‏:‏ بل غلب بنو فلان، للقبيلة الأخرى، فقال علي ‏"‏صَدَقَني سن بكره‏"‏

وقال أبو عمرو‏:‏ دخل الأحنفُ على معاوية بعد ما مضى علي رضي اللّه تعالى عنه فعاتبه معاوية، وقال له‏:‏ أما إني لم أنْسَ ولم أجهل اعتزالَكَ يوم الجمل بيني سعد ونزولَكَ بهم سَفَوَان وقريشٌ تُذْبَحُ بناحية البصرة ذَبْحَ الحِيرَان، ولم أنس طلَبَكَ إلى ابن أبي طالب أن يُدْخِلك في الحكومة لتزيل عني أمراً جعله اللّه لي وقضاه، ولم أنْسَ تخضيضَكَ بني تميم يوم صِفَّين على نُصْرة علي، كل يبكته، قال‏:‏ فخرج الأحنف من عنده، فقيل له‏:‏ ما صنع بك‏؟‏ وما قال لك‏؟‏ قال‏:‏ صَدَقَنِي سن بكر، أي خبرني بما في نفسه وما انْطَوَت عليه ضُلوعه‏.‏

2084- صَبَاءٌ فِي هَمَامَةٍ‏.‏

الصَّبَاء‏:‏ الصِّبَا، إذا فَتَحْتَ مَدَدْتَ ‏[‏ص 393‏]‏ وإذا كسرت قَصَرْتَ، والهَمَامة‏:‏ مصدر الهم، يقال‏:‏ شيخ هِمٌّ إذا أشرف على الفَنَاء وهَمَّ عمره بالنفاد‏.‏

يضرب للشيخ يتصابى‏.‏

2085- صَمَّتْ حَصَاةٌ بِدَمٍ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ أصله أن يكثر القتلُ وسَفْك الدماء حتى إذا وقعت حَصَاة من يَدِ راميها لم يسمع لها صوت، لأنها لا تقع إلا في دم فهي صَمَّاء، وليست تقع على الأرض فتصوِّتُ، ومثله في تجاوز الحد ‏"‏بَلَغَتِ الدِّمَاء الثُّنَنَ‏"‏ وإنما جُعل الصَّمَم فعلاً للحصاة، وهو - أعني الصمم - انسدادُ طريق الصوت على السامع حتى لا يخل أذنه لأنهم جعلوا الدمَ سادا لما يخرج من صوت الحصاة إلى السامع فَعَدُّوا عدمَ الخروج كعدم الدخول، ويجوز أن يقال جعل الحصاة سمَّاء لأنها لا تسمع صوتَ نفسها لكثرة الدم، ولولا ذلك لصوتت فسمعت‏.‏

يضرب في الإسراف في القتل وكثرة الدم

2086- صَبْراً عَلَى مَجامِرِ الكِرَامِ‏.‏

قال قوم‏:‏ راودَ يَسَار الكواعِبِ مولاتَه عن نفسها، فنهته، فلم ينته، فقالت‏:‏ إني مُبَخَّرَتُكَ ببخور، فإن صَبَرْتَ عليه طاوعتُكَ، ثم أتته بمِجْمَرَة فلما جعلتها تحته قبضت على مَذَاكيره فقطعتها وقالت‏:‏ صَبْراً على مَجَامر الكرام‏.‏

يضرب لمن يؤمَرُ بالصبر على ما يكره تهكما‏.‏

وقال المفضل‏:‏ بلغنا ان أعرابياً قدم الحَضَر بإبلٍ، فباعها بمال جَمٍّ وأقام لحوائج له، ففطن قومٌ من جيرته لما معه من المال، فعرضوا عليه تزويجَ جارية وصَفُوها بالجمال والحَسَب والكمال طمعاً في ماله، فرغب فيها، فزوَّجُوه إياها، ثم إنهم اتخذوا طعاما وجمعوا الحيَّ وأجلس الأعرابي في صَدْر المجلس، فلما فرغوا من الطعام، ودارت الكؤوسُ، وشرب الأعرابي، وطابت نفسُه، أتَوْه بكسوة فاخِرَة وطيبٍ، فألبس الخلعَ ووُضِعت تحته مجمرة فيها بخور لا عهد له بذلك، وكان لا يَلْبَسُ السراويل، فلما جلس عليها سَقَطَتْ مذاكيره في المجمرة، فاستحيا أن يكشفَ ثوبه، وظن أن تلك سُنة لا بدَّ منها، فصبر على النار وهو يقول‏:‏ صَبْراً على مجامر الكرام، فذهبت مثلا، وارتحل الأعرابي إلى البادية، وترك امرأته وماله، فلما قصَّ على قومه ما أرى قالوا‏:‏ اُسْتٌ لم تعود المجمر، فذهبت قولهم مثلا أيضاً‏.‏

يضرب لمن لم يكن له عهد قديم‏.‏

2087- صَمِّى ابْنَةَ الْجَبَلِ، مَهْمَا يُقَلْ تَقُلْ‏.‏

ابنة الجبل‏:‏ الصَّدَى، وهو الصوت ‏[‏ص 394‏]‏ يُجيبك من الجبل وغيره، والداهية يقال لها ابنة الجبل أيضاً، وأصلها الحية فيما يقال، يقول‏:‏ اسكتي إنما تكلمين إذا تكلم‏.‏

يضرب مثلا للإِمَّعَةِ الذليل، أي أنك تابعٌ لغيرك، قاله أبو عبيدة‏.‏

2088- صَيْدَكَ لاَ تُحْرَمْهُ‏.‏

يضرب للرجل يطلب غيره بِوِتر فيسقط عليه وهو مُغْتَر‏.‏

أي أمكنك الصيدُ فلا تغفل عنه، أي‏:‏ اشتفِ منه‏.‏

2089- صَفْقَةٌ لَمْ يَشْهَدْهَا حَاطِبٌ‏.‏

هو حاطب بن أبي بَلْتَعَهَ، وكان حازماً وباع بعضُ أهله بيعةً غُبِنَ فيها حين لم يَشْهَدْها حاطب، فضرب هذا المثل لكل أمرٍ يُبْرَمُ دون صاحبه‏.‏

2090- صَادَفَ دَرْءُ السَّيْلِ دَرْءًا يَصْدَعُه‏.‏

الدِّرء‏:‏ الدَّفْع، ويسمى ما يُحْتَاج إلى دفعه من الشر دَرْءاً، ويعني به ههنا دفعات السيل، أي صادف الشر شرّاً يغلبه، وهذا كما يقال ‏"‏الحديد بالحديد يُفْلَح‏"‏

2091- أَصَابَنَا وِجَارُ الضَّبُعِ‏.‏

هذا مثل تقوله العرب عند اشتداد المطر، يعنون مطراً يستخرج الضبع، وِجَارِهَا‏.‏

2092- صَارَتِ الْفِتْيَانُ حُمَمَا‏.‏

هذا من قول الحمراء بنت ضَمْرة بن جابر وذلك أن بني تميم قتلوا سعد بن هند أخا عمرو بن عبد الملك، فنَذَر عمرو ليقتلَنَّ بأخيه مائةً من بني تميم، فجمع أهلَ مملكته فسار إليهم، فبلغهم الخبر، فتفرقوا في نواحي بلادهم، فأتى دارهم فلم يجد إلا عجوزاً كبيرة وهي الحمراء بنت ضمرة، فلما نظر إليها وإلى حُمْرَتها قال لها‏:‏ إني لأحْسَبُك أعجمية، فقالت لا، والذي أسأله أن يخفض جَنَاحَك ويهدَّ عِمادك، ويَضَع وِسادك، ويَسْلبك بلادك، ما أنا بأعجمية، قال‏:‏ فمن أنت‏؟‏ قال‏:‏ أنا بنت ضمرة بن جابر، ساد معدّاً كابرا عن كابر، وأنا أخت ضمرة بن ضمرة، قال‏:‏ فمن زوجك‏؟‏ قالت‏:‏ هَوْذَة بن جَرْوَل، قال‏:‏ وأين هو الآن ‏؟‏ أما تعرفين مكانه‏؟‏ قالت‏:‏ هذه كلمة أحمق، لو كنت أعلم مكانه حال بينك وبيني، قال‏:‏ وأي رجل هو‏؟‏ قالت‏:‏ هذه أحمق من الأولى، أعَنْ هَوْذة يُسأل ‏؟‏هو واللّه طيب العِرْق، سمين العَرْقِ لا ينام ليلة يَخَاف، ولا يشبع ليلة يُضَاف، يأكل ما وجَدَ، ولا يَسأل عما فَقَد، فقال ‏[‏ص 395‏]‏ مرو‏:‏ أما واللّه لولا أني أخاف أن تَلِدِي مثلَ أبيك وأخيك وزوجك لاستبقيتك، فقالت‏:‏ وأنت واللّه لا تقتل إلا نساءً أعليها ثُدِيّ وأسافلها دُمِيّ، واللّه ما أدركت ثأراً، ولا مَحَوْت عاراً، وما مَنْ فعلتَ هذه به بغافلٍ عنك، ومع اليوم غد، فأمر بإحراقها فلما نظرت إلى النار قالت‏:‏ ألا فتى مكانَ عَجُوزٍ‏؟‏ فذهبت مثلاً، ثم مكثت ساعة فلم يَفْدِهَا أحدٌ فقالت‏:‏ هيهات‏!‏ صارت الفتيان حُمَماً، ولبث عمرو عامةَ يومِه لا يقدر على أحد حتى إذا كان في آخر النهار أقبل راكبٌ يسمى عمارا تُوضِع به راحِلتُه حتى أناخ إليه، فقال له عمرو‏:‏ مَنْ أنت قال أنا رجل من الْبَرَاجم ‏؟‏قال‏:‏ فما جاء بك إلينا‏؟‏ قال‏:‏ سطع الدخان، وكنت قد طَوِيتَ ‏(‏طوى - بوزن رضى - جاع‏)‏

منذ أيام فظننته طعاماً، فقال عمرو‏:‏ إن الشقيّ وافدُ البراجم، فذهبت مثلا، وأمر به فألقى في النار، فقال بعضهم‏:‏ ما بلغنا أنه أصاب من بني تميم غيره، وإنما أحرق النساء والصبيان، وفي ذلك يقول جرير‏:‏

وأخزاكُمُ عمرٌو كما قد خَزِيتُمُ * وأدرك عَمَّارا شقيَّ الْبَرَاجِمِ

ولذلك عيرت بنو تميم بحب الطعام لما لقي هذا الرجل، قال الشاعر‏:‏

إذا ما مَاتَ مَيْتٌ من تميم * فَسَرَّكَ أن يعيش فجيء بزاد

بخبزٍ أو بلحمٍ أو بتمرٍ* أو الشيء الملَفَّفِ في البِجَادِ

تراه ينقِّبُ الآفاقَ حَوْلا * ليأكُلَ رأسَ لقمانَ بْن عَاد

2093- صَدَقَتْهُ الكَذُوبُ‏.‏

يعني بالكذوب النفسَ‏.‏

يضرب لمن يتهدَّدُ الرجل فإذا رآه كذَبَ أي كَعَّ وجَبُن، قال الشاعر‏:‏

فأقبل نَحْوِي على غِرَّةً * فَلَمَّا دَنَا صَدَقَتْهُ الكَذُوبُ

2094- صُهْبُ السِّبالِ‏.‏

كناية عن الأعداء، قال الأصمعي‏:‏ صُهْبُ السِّبال وسُودُ الأكباد يضربان مثلا للأعداء وإن لم يكونوا كذلك، قال ابن قَيْسِ الرُّقَيَّات‏:‏

إن تَرَيْنِي تَغَيَّرَ اللَّوْنُ مِنِّي* وعَلاَ الشيبُ مَفْرِقِي وقَذَالِي

فَظِلاَلُ السُّيُوفِ شَيَّبْنَ رَأسِي * وَاعْتِنَاقِي فِي الْحَرْبِ صُهْبَ السَّبَالِ

يقال‏:‏ أصله الروم، لأن الصُّهوبة فيهم وهم أعداء العرب ‏[‏ص 396‏]‏

2095- الصَّبِيُّ أَعْلَمُ بمَضْغِ فِيهِ‏.‏

يضرب لمن يُشَار عليه بأمر هو أعلم بأنَّ الصوابَ في خلافه‏.‏

وروى أبو عبيدة بمصغى فيه - بالصاد غير معجمة - من صَغِىَ يَصْغَى إذا مال، أي يعلم كيف يميل بلقمته إلى فيه، كماقيل‏:‏ أهْدَى من اليد إلى الفم، وروى أبو زيد ‏"‏الصبي أعلم بمَضْغَى خده‏"‏ أي يعلم إلى من يميل ويذهب إلى حيث ينفعه، فهو أعلم به وبمن يشفق عليه‏.‏

2096- صَفِرَتْ يَدَاهُ مِنْ كلِّ خَيْرٍ‏.‏

أي خَلَتَا، وفي الدعاء‏:‏ نعوذ باللّه من صَفَر الإناء وقرع الفناء‏.‏

2097- صَدْرُكَ أَوْسَعُ لِسِرِّكَ‏.‏

يضرب في الحثِّ على كتمان السر‏.‏

يقال‏:‏ مَنْ طلب لسره موضعا فقد أفشاه، وقيل لأعرابي‏:‏ كيف كِتْمَانك للسر‏؟‏ قال‏:‏ أنا لَحْدُه‏.‏

2098- صَارَ شَأْنهُمْ شُوَيْناً‏.‏

يضرب لمن نَقَصَوا وتغيرت حالهم‏.‏

يقال‏:‏ تقدم المهلَّب بن أبي صُفْرة إلى شُرَيح القاضي فقال له‏:‏ أبا أمية لَعَهْدِي بك وإن شأنَكَ لَشُوَيْن، فقال له شريح‏:‏ أبا محمد أنت تعرف نعمة اللّه على غيرك، وتجهلها من نفسك‏.‏

2099- صَمِّى صَمَامِ‏.‏

يقال للداهية والحرب صَمَامِ - على وزن قَطَام وحَذَام - و‏"‏صَمَّى اْبنَةَ الجَبَلِ‏"‏ وأصلها الحية فيما يقال، أنشد ابن الأعرابي لسَدُوس بن ضباب‏:‏

إني إلى كُلِّ أيسارٍ وَبَادِيَةٍ * أدْعُو حُبَيْشاً كَمَا تُدْعَى ابْنَةُ الْجَبَلِ

أي أنوه به كما يُنَوَّه بابنة الجبل، وهي الحية، وإنما يقولون‏:‏ صَمِّى صَمَامِ، وصَمِّى اْبنَةَ الجبل، إذا أبى الفريقان الصلحَ ولَجُّوا في الاختلاف، أي لا تُجِيِبي الراقي، ودُومِى على حالك، قال ابن أحمر‏:‏

فَرُدُّوا ما لَدَيْكُمْ من رِكَابِي * ولَمَّا تأتِكُمْ صَمِّى صَمَامِ

فجعلها عبارة عن الداهية، وقال الكُمَيْتُ‏:‏

إذا لقَى السفير بها وَنَادَى * لَهَا صَمِّى ابْنَةَ الْجَبَلِ السفير

بها ولها يرجعان إلى الحرب‏.‏

2100- صَقْرٌ يَلوذُ حَمَامُهُ بِالْعَوْسِجِ‏.‏

يضرب للرجل المهيب‏.‏ وخصَّ العوسج لأنه متداخل الأغصان يَلُوذ به الطير خوفا من الجوارح، قال عِمْرَان ابن عصام العنزي لعبد الملك بن مروان‏:‏ ‏[‏ص 397‏]‏

وبَعَثْتَ من وَادِ الأغر مُعَتِّباً * صَقْراً يَلُوذُ حَمَامُه بالعَوْسَجِ

فإذا طَبَخْتَ بِنَارِهِ أنْضَجْتَهُ * وَإذا طَبَخْتَ بِغَيْرِهَا لم تُنْضِجِ

يعني الحجاج بن يوسف‏.‏

2101- صَنْعَةَ مَنْ طَبَّ لِمَنْ حَبَّ‏.‏

أي اصْنَعْ هذا الأمر لي صنعَةَ من طَبَّ لمن حَبَّ‏:‏ أي صنعَةَ حاذقٍ لإنسان يحبه

يضرب في التَّنَوُّقِ في الحاجة واحتمال التعب فيها‏.‏

وإنما قال حَبَّ لمزاوجة طَبَّ وإلا فالكلام أحَبَّ، وقال بعضهم‏:‏ حَبَبْتُهُ وأحْبَبْتُه لغتان، وقال‏:‏

وَوَاللّه لَوْلاَ تَمْرُهُ مَا حَبَبْتُهُ * وَلاَ كَانَ أدْنى من عُبَيْدٍ وَمُشْرِقِ ‏(‏نسبه في اللسان ‏(‏ح ب ب‏)‏ إلى غيلان بن شجا النهشلي‏)‏

وهذا وإن صح شاذ نادر، لأنه لا يجيء من باب فَعَلَ يَفْعِلُ بكسر الععين في المستقبل من المضاعف فعلُ يتعدَّى إلا أن يشركه يَفْعُلُ بضم العين نحو نَمَّ الحديث يَنِمُّه وَيُنمُّهُ وشَدَّ الشيء يَشِدُّهُ وعَلَّ الرجل يَعِلُّهُ ويَعُلُّه، وكذلك أخواتها، وحبه يحبه جاءت وحدها شاذة لا يشركها يَفْعُلُ بالضم‏.‏

2102- أَصَابَ قَرْنَ الْكَلأَ‏.‏

يضرب للذي يُصيب مالاً وافراً، لأن قَرْنَ الكلأ أنفُه لم يؤكل منه شيء‏.‏

2103- صَلَدَتْ زِنَادُهُ‏.‏

إذا قَدَح فلم يُور

يضرب للبخيل يُسْأل فلا يُعْطِى، قال الشاعر‏:‏

صَلَدَتْ زِنَادُكَ يا يزيد، وطالما* ثَقَبَتْ زِنَادُكَ لِلَّضرِيكِ الْمُرْمِلِ ‏(‏ثقبت‏:‏ قدحت نارا، والضريك‏:‏ الفقير السيء الحال، والمرمل‏:‏ الذي نفد زاده‏)‏

2104- صَارَ الأَمْرُ إلَى الْوَزَعَةِ‏.‏

يعني قام بإصلاح الأمر أهلُ الأناة والحلم، والوَزَعَة‏:‏ جمع وازع، يقال‏:‏ وَزَع إذا كَفَّ‏.‏

وذكر أن الحسن البصري لما اسْتُقْضِىَ ازدحَمَ الناس عليه فآذَوْه، فقال‏:‏ لابد للسلطان من وَزَعة، فلذلك، ارتبط السلاطينُ هذا الشرط‏.‏

2105- صَارَ خَيْرَ قُوَيْسٍ سَهْمَا‏.‏

أي صار إلى الحال الجميلة بعد الخَسَاسة، وتقدير الكلام‏:‏ صار خير سهام قُوَيْسٍ سهما وصَغَّر القوس لأنها إذا كانت صغيرة كانت أنْفَذَ سَهْماً من العظيمة‏.‏ ‏[‏ص 398‏]‏

2106- أصْمَى رَمِيَّتَهُ‏.‏

يقال‏:‏ أصْمَى الرامي، إذا أصاب، وأنْمَى، إذا أشْوَى أي أصابَ الشَّوَى ولم يصب المَقْتَلَ، ويقال‏:‏ بل هو الذي يَغيبُ عنك ثم يموت، وفي الحديث‏"‏كُلْ ما أصْمَيْتَ ودَعْ ما أنْمَيْتَ‏"‏

يضرب للرجل يَقْصِدُ الأمرَ فيصيب منه ما يريد‏.‏

2107- أَصَاخَ إِصَاخَةَ المِنْدَهِ لِلنَّاشِدِ‏.‏

الإصاخة‏:‏ السكوت، والناشد الذي يَنْشُد الشيء، والناده‏:‏ الزاجر، والمِنْدَه‏:‏ الكثير النَّدْه، أي الزجر للإِبل‏.‏

يضرب لمن جَدَّ في الطلب ثم عجز فأمسك

2108- صَرَّحَ الحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ‏.‏

أي انكشَفَ الأمر وظهر بعد غيوبه، وقال أبو عمرو‏:‏ أي انكشف الباطلُ واستبان الحق فَعُرِفَ‏.‏

2109- صَفِرَتْ وِطَابُهُ‏.‏

الوَطْبُ‏:‏ سِقاء اللَّبن، وصَفِرت‏:‏ خَلَتْ، وهذا اللفظ كناية عن الهلاك، قال امرؤ القيس‏:‏

فأفْلَتَهُنَّ عِلْبَاءٌ جَرِيضاً * وَلَوْ أدْرَكْنَهُ صَفِرَ الْوِطَابُ

قوله‏"‏جريضا‏"‏ أي بآخر رَمَقٍ، ولو أدركنه لقُتِل ومن قُتل أو مات ذهب قِراه وخَلَتْ وِطابه من حلبه‏.‏

2110- صَدَقَني وَسْمَ قِدْحِهِ‏.‏

وَسْمُ القِدْح‏:‏ العلامة التي عليه لتدل على نصيبه، وربما كانت العلامة بالنار، ومعنى المثل خَبَّرني بما في نفسه، وهو مثل قولهم ‏"‏صَدَقَنِي سِنَّ بَكْرِهِ‏"‏‏.‏

2111- الصِّدْقُ يُنْبىء عَنْكَ لاَ الْوَعِيدُ‏.‏

يقول‏:‏ إنما ينبىء عدوَّكَ عنك أن تصدقه في المحاربة وغيرها، لا أن توعِدَه ولا تنفذ لما توعد به‏.‏

2112- صُغْرَاهُنَّ شُرَّاهُنْ‏.‏

ويروى ‏"‏صُغْرَاها شُرَّاها‏"‏ ويروى ‏"‏مُرَّاهَا‏"‏‏.‏

وأول من قال ذلك امرأة كانت في زمن لقمان بن عاد، وكان لها زوج يقال له الشَّجِي، وخليل يقال له الْخَلِيُّ، فنزل لقمان بهم، فرأى هذه المرأة ذات يوم اْنتَبَذَتْ من بيوت الحي، فارتاب لقمان بأمرها، فتبعها، فرأى رجلا عَرَضَ لها ومَضَيَا جميعا وقَضَيَا حاجتهما، ثم إن المرأة قالت للرجل‏:‏ إني أتَمَاوَتُ فإذا أسندوني في رَجَمِي ‏(‏الرجم - بالتحريك - القبر‏)‏ فأْتنِي ليلا فأخْرجيني ثم اذهب إلى مكان لا يعرفنا أهلُه، فلما سمع لقمان ذلك قال‏:‏ ويل للشَّجِيِّ من الخلي، فأرسلها ‏[‏ص 399‏]‏ مثلا، ثم رجعت المرأة إلى مكانها وفعلت ما قالت، فأخرجها الرجل وانطلق بها أياماً إلى مكان آخر، ثم تحولت إلى الحي بعد بُرْهة، فبينا هي ذاتَ يوم قاعدةُ مرت بها بناتها، فنظرت إليها الكبرى فقالت‏:‏ أمي واللّه، قالت الوُسْطَى‏:‏ صدقتِ واللّه، قالت المرأة‏:‏ كذبتما ما أنا لكما بأم، ولا لأبيكما بامرأة، فقالت لهما الصغرى‏:‏ أما تعرفان محياها، وتعلقت بها وصرخَتْ، فقالت الأم حين رأت ذلك‏:‏ صغراهن شراهن، فذهبت مثلا، ثم إن الناس اجتموا فعرفوها فرفعوا القصة إلى لقمان بن عاد، وقالوا له‏:‏ اقض بيننا، فلما نظر لقمان إلى المرأة عرفها فقال‏:‏ عند جُهَيْنَةَ الخبرُ اليقين، يعني نفسه وما عاين منها، فأخبر لقمان الزوجَ بما عرف، وأقبل على المرأة فقصَّ عليها قصتها كيف صنعت، وكيف قالت لصديقتها، فلما أتاها بما لا تنكر قالت‏:‏ ما كان هذا في حسابي، فأرسلتها مثلا، فقيل للقمان‏:‏ احكم فيها، فقال‏:‏ ارجُمُوهَا كما رَجَمَتْ نفسها في حياتها، فرجمت، فقال الشجي‏:‏ احكم بيني وبين الخلي، فقد فرق بيني وبين أهلي، فقال‏:‏ يفرق بين ذكره وأنثييه كما فرق بينك وبين أنثاك فأخذ الخلي فجُبَّ ذكره‏.‏

2113- صَحِيفَةُ المُتَلَمِّسِ‏.‏

قال المفضل‏:‏ كان من حديثها أن عمرو بن المنذر بن امرىء القَيْس كان يُرَشِّحُ أخاه قابوس - وهما لهند بنت الحارث بن عمرو الكندي آكل المرار - ليملك بعده، فقدِمَ عليه المتلمس وطَرَفة فجعلهما بهده في صحابة قابوس وأمرهما بلزومه، وكان قابوس شابّاً يعجبه اللّهو، وكان يركب يوما في الصيد فيركُضُ ويتصيَّد وهما معه يركضان حتى رجعا عشية وقد لَغبا فيكون قابوس من الغد في الشراب فيقفان بباب سرادقه إلى العشي، وكان قابوس يوماً على الشراب فوقفا ببابه النهارَ كلَّه ولم يصلا إليه، فضَجِرَ طرفة وقال‏:‏

فَلَيْتَ لنا مكانَ المَلْكِ عمرٍو* رَعُوثاً حَوْلَ قُبَّتِنَا تَخُورُ

مِنَ الزِّمِرَاتِ أَسْبَلَ قَادِمَاهَا * ودرَّتُهَا مركنَة دَرُورُ

يُشَارِكُنَا لنا رَخِلاَنِ فيها * وتَعْلُوهَا الْكِبَاشُ فَمَا تَنُورُ

لَعَمْرُكَ إِنَّ قَابُوسَ ابْنَ هِنْدٍ * لَيَخْلِطُ مُلْكَهُ نُوكٌ كَبِيرُ

قَسَمْتَ الدَّهْرَ فِي زَمَنٍ رَخِىٍّ * كَذَاكَ الْحُكْم يَقْصِدُ أَوْ يَجُورُ

لَنَا يَوْمٌ وَلِلْكِرْوَانِ يَوْمٌ * تَطِيُر البَائِسَاتُ وَلاَ نَطِيرُ ‏[‏ص 400‏]‏

فأما يَوْمُهُنَّ فَيَوْمُ سُوءٍ * يُطَاِردُهُنَّ بالخرب الصُّقُورُ

وأما يَوْمُنَا فَنَظَلُّ رَكْباً * وُقُوفا لاَ نَحُلُّ وَلاَ نَسِيرُ

وكان طرفة عدواً لابن عمه عبد عمرو، وكان كريماً على عمرو بن هند، وكان سَمينا بادنا، فدخل مع عمرو الحمام، فلما تجرَّدَ قال عمرو بن هند‏:‏ لقد كان ابنُ عمك طرفَةُ رَآك حين قال ما قال، وكان طرفة هَجَا عبدَ عمرو فقال‏:‏

ولا خَيْرَ فيه غيرَ أَنَّ له غِنًى * وَأَنَّ له كَشْحاً إذَا قَامَ أَهْضَمَا

تَظَلُّ نساءُ الحي يعكُفْنَ حَوْلَهُ * يقلن عَسيبٌ من سَرَارة مَلْهما

له شربتان بالعَشِيِّ وشَرْبَةٌ * من الليل حتى آضَ جَبْساً مُوَرَّمَا

كأن السلاح فوق شُعْبِةِ بَانَةٍ * تَرَى نَفَحا وَرْد الأسرة أَصْحَمَا

ويَشْرَبُ حتى يغمر المحضُ قَلْبَهُ * فإن أعطه أَتْرُكْ لِقَلْبِيَ مَجْثَمَا

فلما قال له ذلك قال عبد عمرو‏:‏ إنه قال ما قال، وأنشده

فليت لنا مكان الملك عمرو

فقال عمرو‏:‏ ما أُصَدِّقُكَ عليه، وقد صَدَّقه ولكن خاف أن يُنْذِره وتدركه الرحِمُ، فمكث غير كثير ثم دَعَا المتلمسَ وطرفَة فقال‏:‏ لعلكما قد اشتقتما إلى أهلكما وسَرَّكما أن تنصرفا، قالا‏:‏ نعم، فكتب لهما إلى أبي كَرِب عاملِه على هَجَر أن يقتلهما وأخبرهما أنه قد كَتَبَ لهما بِحِبَاءٍ ومعروف، وأعطى كل واحد منهما شيئاً، فخرجا، وكان المتلمس قد أَسَنَّ فمر بِنَهر الْحِيَرة على غِلْمان يلعبون، فقال المتلمس‏:‏ هل لك في كِتَابَيْنَا فإن كانْ فيهما خير مَضَيْنَا له وإن كان شراً اتقيناه، فأبي طرفة عليه، فأعطى المتلمسُ كتابَه بعض الغلمان فقرأه عليه فإذا فيه السوأة، فألقي كتابه في الماء، وقال لطرفة‏:‏ أطعني وأَلْقِ كتابَكَ، فأبى طرفة ومضى بكتابه، قال‏:‏ ومضى المتلمس حتىلحق بملوك بني جَفْنَة بالشام، وقال المتلمس في ذلك‏:‏

مَنْ مُبْلغُ الشُّعَرَاءِ عَنْ أَخَوَيْهِم * نَبَأ فَتَصْدُقَهُمْ بذَاكَ الأنْفُسُ

أَوْدَى الَّذِي عَلِقَ الصَّحِيفَةَ مِنْهُمَا * ونَجَا حِذَارَ حِبَائِهِ المتلَمِّسُ

أَلْقَى صَحِيَفَتُه ونَجَّتْ كورَهُ * وَجْنَاءُ محمرة المَنَاسِم عِرْمِسُ

عَيْرَانه طَبَخَ الهَوَاجِرُ لَحْمَهَا * فكأنَّ نُقْبَتَهَا أَدِيمٌ أَمْلَسُ ‏[‏ص 401‏]‏

أَلْقِ الصَّحِيفَةَ لاَ أَبَا لَكَ إنَّهُ * يُخْشَى عَلَيْكَ مِنَ الْحِبَاءِ النَّقْرِسُ

ومضى طرفة بكتابه إلى العامل فقتله‏.‏

وروى عبيد راوية الأعشى قال‏:‏ حدثني الأعشى قال‏:‏ حدثني المتلمس - واسمه عبد المسيح بن جرير - قال‏:‏ قدمت أنا وطَرَفة غلاماً معجباً تائهاً، فجعل يَتَخَلَّجُ في مشيه بين يديْهِ، فنظر إليه نظرة كادت تقتلعه من مجلسه، وكان عمرو لا يبتسم ولا يضحك وكانت العرب تسميه مُضَرِّطَ الحجارة لشدة ملكه، وملك ثلاثاً وخمسين سنة، وكانت العرب تهابه هيبة شديدة، وهو الذي يقول له الذهاب العجلي ‏(‏واسمه مالك بن جندل بن سلمة، من بني عجل، ولقب بالذهاب لقوله‏:‏

وما سَيْرُهُنَّ إذ عَلَوْنَ قُرَاقِراً * بذي أمَمٍ ولا الذَّهَابُ ذَهَابُ‏)‏‏:‏

أبى القَلْبُ أن يأتي السديرَ وأهلَه * وإن قيل عَيْشٌ بالسَّدِيرِ غَرِيرُ

به الْبَقُّ والحَّمى وأسْدُ خَفِيَّةٍ * وعَمْرو بن هند يَعْتَدِى ويَجُورُ

قال المتلمس‏:‏ فقلت لطرفة حين قمنا‏:‏ يا طرفة إني أخاف عليك من نظرته إليك، مع ما قلت لأخيه، قال‏:‏ كلا، قال‏:‏ فكتب له كتاباً إلى المكَعْبَر - وكان عامله على البحرين وعمان - لي كتاب ولطرفة كتاب، فخرجنا حتى إذا أنا بشيخ عن يساري يتبرز ومعه كِسْرَة يأكلها ويَقْصَع القمل، فقلت‏:‏ تاللّه إن رأيت شيخاً أَحْمَقَ وأضعَفَ وأقلَّ عَقْلاً منك، قال‏:‏ ما تنكر‏؟‏ قلت تتبرز وتأكل وتَقْصع القمل، قال‏:‏ أخرج خبيثاً، وأدخِلُ طيباً، وأقْتُلُ عدواً، وأحْمَقُ مني وألْأَم حاملُ حَتْفِهِ بيمينه لا يدري ما فيه، فنبهني وكأنما كنت نائماً، فإذا أنا بغلام من أهل الحِيرة يَسْقى غنيمة له من نهر الحيرة، فقلت‏:‏ ياغلام أتقرأ‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قلت‏:‏ اقرأ، فإذا فيه ‏"‏باسمك اللّهم، من عمرو بن هند إلى المُكَعْبر، إذا أتاك كتابي هذا مع المتلمس، فاقْطَعْ يديه ورجليه وادفنه حياً، فألقيت الصحيفة في النهر، وذلك حين أقول‏:‏

أَلْقَيْتُهَا بالثِّنْىِ مِنْ جَنْبِ كَافِر* كَذَلِكَ أقنو كلَّ قطٍّ مُضَلِّلِ

رَضِيُت لها لما رَأَيْتُ مَدَارَهَا * يَجُولُ به التَّيَّارُ في كل جَدْوَلِ

وقلت‏:‏ يا طرفة معك واللّه مثلها، قال‏:‏ كَلاَّ ما كان ليكتب بمثل ذلك في عقر دار قومي، فأتى المكعبَر فقطع يديه ورجليه، ودفنه حياً‏.‏

يضرب لمن يَسْعَى بنفسه في حَيْنها ويغررها‏.‏ ‏[‏ص 402‏]‏

2114- صَاحَتْ عَصَافِيرُ بَطْنِهِ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ العصافير الأمعاء‏.‏

يضرب للجائع‏.‏

2115- أَصَمُّ عَمَّا سَاءَهُ سَمِيعُ‏.‏

أي أصم عن القبيح الذي يَكْرِثُهُ ‏(‏تقول كرثه الغم - من بابي ضرب ونصر - وأكرثه، إذا اشتد عليه‏)‏

ويغمه، وسميع لما يسره، أي يسمع الحسنَ ويتصامم عن القبيح فعلَ الرجلِ الكريم‏.‏

2116- صَابَتْ بقُرِّ‏.‏

أي نزل الأمر في قَرَاره، فلا يستطاع له تحويل، وصابت‏:‏ من الصَّوْب وهو النزول، والقُرُّ‏:‏ القَرَار‏.‏

يضرب عند شدةٍ تصيبهم، أي صارت الشدة في قرارها‏.‏

ويروى ‏"‏وقعت بقر‏"‏ قال عدي بن زيد‏:‏

تُرَجِّيَهَا وقد وقَعَتْ بِقُرٍّ* كما تَرْجُو أصاغِرَهَا عتيب

2117- صَبَحْنَاهُم فَغَدَوْا شَأْمَةً‏.‏

أي أوقعنا بهم صبحاً، فأخذوا الشق الأشأم، أي صاروا أصحاب شأمة، وهي ضد اليمنة‏.‏

2118- أصْلَحَ غَيْثٌ مَا أَفْسَدَ البَرْدُ‏.‏

يعني إذا أفسد البرد الكَلَأَ بتحطيمه إياه أصلحه المطر بإعادته له‏.‏

يضرب لمن أصلح ما أفسده غيره‏.‏

2119- الصَّمْتُ حُكْمٌ وَقَلِيلٌ فَاعِلُه‏.‏

الحُكْم‏:‏ الحِكْمة، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وآتيناه الحُكْمَ صبياً‏)‏ ومعنى المثل استعمال الصمت حكمة، ولكن قلَّ من يستعملها‏.‏

يقال‏:‏ إن لقمان الحكيم دخل على داود عليهما السلام وهو يصنع دِرْعاً، فهمَّ لقمان أن يسأله عما يصنع، ثم أمسك ولم يسأل حتى تم داود الدرعَ وقام فلبسها، وقال‏:‏ نعْمَ أداةُ الحرب، فقال لقمان‏:‏ الصَّمتُ حُكْمٌ وقليل فاعله‏.‏

2120- الصَّمْتُ يُكْسِبُ أهْلَهُ الْمَحَبَّةَ‏.‏

أي محبة الناس إيَّاه لسلامتهم منه‏.‏

يضرب في مدح قلة الكلام‏.‏

2121- صَارَ الأَمْرُ عَلَيْه لزَامِ‏.‏

مكسور مثل حَذَامِ وقَطَامِ، أي صار هذا الأمر لازماً له‏.‏

2122- صَوْتُ امْرِيءٍ وَاسْتُ ضَبُعٍ‏.‏

وذلك أن رجلا من بني عَقيل كان أسيراً في عَنَزَة اليمن، فيقي أربَعَ حِجَج، فعلق النساء يُرْسِلْنه فيَحْطبُهُنَّ ويَسْقيهن من الماء، فإذا أقبل نظرن إلى صدرع وإذا ما نهض تضاعف، فقلن يا أبا كليب، أمَّا حينَ ‏[‏ص 403‏]‏ تقوم فصدرة أم أسد، وأما إذا أدبرت فرجلا أم ضبع، وأنه كره أن يهرب نهاراً فتأخذه الخيل، فأرسلنه عشية مع الليل، فمر من تحت الليل، فأصبح وقد استحرز

يضرب للداهي الذي يُخَادع القومَ‏.‏

2123- صَاحِبُ سِرٍّ فِطْنَتُهُ فِي غُرْبَة‏.‏

أي أنه لا يدري كيف يدبره‏.‏ ويحفظه حتى يضيعه، يعني السر‏.‏

2124- صَبْراً وَإِنْ كانَ قَتْراً‏.‏

القَتْر‏:‏ شدة المعيشة، ويروى ‏"‏وإن كان قبراً‏"‏‏.‏

يضرب عند الشدائد والمَشَاقِّ‏.‏

2125- صَهْ صَاقِعُ‏.‏

يقال ‏"‏صَهْ‏"‏ أي اسكت، و‏"‏صَقَع‏"‏ إذا كَذَبَ، قال ابن الأعرابي‏:‏ الصاقع الذي يصقع في كل النواحي، أي اُسْكُتْ فقد ضللت عن الحق‏.‏

يضرب لمن عُرِف بالكذب‏.‏

2126- صُرِّى وَاحْلُبِي‏.‏

الصَّرُّ‏:‏ شَدُّ الضرع بالصِّرَار‏.‏

يضرب في حفظ المال‏.‏

2127- أَصِيدَ القُنْفُدُ أَمْ لُقَطَةٌ‏.‏

يضرب لمن وجد شيئاً لم يَطْلُبه‏.‏

2128- أَصَابَتْهُمْ خُطُوبٌ تَنَبَّلُ‏.‏

أي تختار الأنْبَلَ فالأنبل، يعني تُصِيبُ الخيارَ منهم‏.‏

2129- أَصَابَتْهُ حَطْمَةٌ حَتَّتْ وَرَقَهُ‏.‏

أي نكبَةٌ وزلزلت أركانه‏.‏

2130- أَصْغَرُ القَوْمِ شَفْرَتُهُمْ‏.‏

أي خادِمُهم الذي يكفي مِهْنَهم، شُبِّه بالشفرة تُمْتَهَنُ في قَطْع اللحم وغيره‏.‏

2131- صَارَ الزُّجُّ قُدَّامَ السِّنَانِ‏.‏

يضرب في سَبْقِ المتأخِّرِ المتقدمَ من غير استحقاق‏.‏

2132- أَصْبِحْ لَيْلُ‏.‏

ذكر المفضل بن محمد بن يعلى الضبي أن امرأ القَيْس بن حُجْر الكِنْدِيَّ كان رجلا مفرَّكاً لا تحبه النساء، ولا تكاد امرأة تصبر معه، فتزوج امرأة من طَيِّء فابتنى بها، فأبغضته من تحت ليلتها، وكرهت مكانها معه، فجعلت تقول‏:‏ يا خَيْرَ الفِتْيَانِ أصْبَحْتَ أصبحت، فيرفع رأسه فينظر فإذا الليل كما هو، فتقول‏:‏ أصْبَحْ لَيْلُ، فلما أصبح قال لها‏:‏ قد علمتُ ما صنعتِ الليلَةَ، وقد عرفتُ أن ما صنعتِ كان من كراهية مكاني في نفسك، فما الذي كرهت مني‏؟‏ فقالت‏:‏ ما كرهتُك، فلم يَزَلْ بها حتى قالت‏:‏ ‏[‏ص 404‏]‏ كرهت منك أنك خفيف العَزَلة ثقيل الصدر، سريع الإراقة، بطيء الإفاقة، فلما سمع ذلك منها طَلَّقها، وذهب قولها ‏"‏أَصْبِحْ ليل‏"‏ مثلا، قال الأعشى‏:‏

وحتى يبيت القوم كالضَّيْفِ لَيْلة * يَقُولُونَ أَصْبِحْ لَيْلُ والليلُ عَاتِمُ

وإنما يقال ذلك في الليلة الشديدة التي يَطُول فيها الشر، ومعنى بيت الأعشى حتى يبيت القوم غيرَ مطمئنين‏.‏

2133- أَصَابَ تَمْرَةَ الغُرَابِ‏.‏

يضرب لمن يَظْفَر بالشيء النفيس، لأن الغراب يختار أَجْوَدَ التمر‏.‏

2134- أَصْبَحَ فِيما دَهَاهُ كالْحِمَاِر الْمَوحُولِ‏.‏

يضرب لمن وقَع في أمر لا يُرْجى له التخلص منه‏.‏

والمَوْحُولُ‏:‏ المغلوب بالوَحَل، يقال‏:‏ واحتله فوحَلْتُه أوحَلُه، إذا غَلَبْتَه به‏.‏

2135- أَصْبَحَ جَنِيبَ الْعَصَا‏.‏

الْجَنِيبُ‏:‏ بمعنى المَجْنُوب، والعصا‏:‏ الجماعة‏.‏

يضرب لمن انقاد لما كلف‏.‏

2136- أَصَمَّ اللّه صَدَاهُ‏.‏

أي دِمَاغه وموضِعَ سَمْعه، يقال في الدعاء على الإنسان بالموت، قال الأصمعي‏:‏ العربُ تقول‏:‏ الصَّدَى في الهامة، والسمع في الدماغ، و‏"‏أصم اللّه صداه‏"‏ من هذا‏.‏ قلت‏:‏ الصحيح في هذا أن يقال‏:‏ الصَّدَى الذي يُجِيبُك بمثل صوتك من الْجِبال وغيرها وإذا مات الرجلُ لم يسمع الصدى منه شيئاً فيجيبه فكأنه صَمَّ‏.‏

2137- صَاحَ بِهِمْ حَادِثَاتُ الدَّهْرِ‏.‏

يضرب لقومٍ انْقَرَضُوا واستأصلتهم حوادث الزمان‏.‏

2138- صَفِرَتْ عِيَابُ الوُدِّ بَيْنَنَا‏.‏

يضرب في انقطاع المودة وانقضائها‏.‏

2139- صَارَ حِلْسَ بَيْتِهِ‏.‏

إذا لزمه لزوماً بليغاً، والحِلْسُ‏:‏ ما وَلىَ ظهرَ البعير تحت الْقَتب من كساء أو مسح يلازمه ولا يفارقه، ومنه حديث أبي بكر رضي اللّه عنه في فتنة ذكرها‏:‏ ‏"‏كُنْ حِلْسَ بَيْتِكَ حتى تأتيك يَدٌ خاطئة أو مَنِيَّة قاضية‏"‏ يأمره بلزوم بيته‏.‏

2140- صَرَّحَتْ كَحْلٌ‏.‏

وذلك إذا أصابت الناسَ سنةٌ شديدة يقال‏:‏ صَرُحَ - بالضم - صراحَةً وصُرُوحةً إذا خَلَصَ، وكذلك صَرَّح - بالتشديد - وكَحْل‏:‏ السنة والْجَدْبُ، معرفة لا تداخلها ‏[‏ص 405‏]‏ الألف واللام، فإذا قيل ‏"‏صَرَّحَتْ كحل‏"‏ كان معناه خَلَصَت السنة في الشدة والجدوبة، وقيل‏:‏ كَحْل اسمٌ للسماء، يقال ‏"‏صَرَّحَتْ كَحْل‏"‏ إذا لم يكن في السماء غَيْم، قال سَلاَمة بن جَنْدَل‏:‏

قومٌ إذا صَرَّحَتْ كَحْلٌ بُيُوتُهُمُ * مَأْوَى الضَّرِيكِ وَمَأْوَى كلِّ قُرْضُوبِ

ومعنى صرحت ههنا انكشفت كما يقال ‏"‏صَرَّح الحق عن مَحْضِهِ‏"‏‏.‏